السؤال.. بسم الله الرحمن الرحيم، وبه أستعين، وأصلي وأسلم على خير البرية أجمعين، محمد بن عبد الله.
سأدخل في الموضوع مباشرة، أنا شاب أبلغ من العمر 26 سنة، وأعمل مدرس لغة إنجليزية، منذ أن تخرجت وعملت أول سنة كان وضعي قبل سنتين لا بأس به، أقابل الناس وأذهب للمناسبات، يعني اجتماعي، ولكن تغير حالي منذ سنتين، فأصبحت أخشى مقابلة الناس وذهاب المناسبات، تغيرت كثيراً، أخاف من نظرات الناس لي! لا أدري لماذا، لا يمكنني دخول الأسواق أبداً، ولا أستطيع أحياناً أن أتمالك نفسي عند محادثتي مع الآخرين! أشعر بحرارة وتلعثم أحياناً، وتوتر شديد! لكن العجيب أنني مدرس وأتعامل مع الطلاب وأواجههم بكل شجاعة، وأنا صارم معهم أيضاً فلست ضعيفا أمامهم، بل بعد الانتهاء من الحصة أشعر أنني في حال أفضل قبل دخولي الحصة.
ألم أعيشه وأحاول أن أتمالك نفسي وأجبر نفسي أحياناً على الاختلاط، مع أنه يسبب لي إزعاجاً في بداية الأمر، وأعرق وأتوتر كثيراً، وأحدث نفسي: (يا إلهي ماذا حدث لي، لماذا كل هذا الخوف من البشر الذين هم مثلي تماماً) ثم بدأت أبحث عن حل، ومازلت، لم أترك شيئاً، حتى الشيوخ، وزرت الطبيب النفسي مرة واحدة فقط، قال لي رهاب وأعطاني علاجاً نسيته، لكني تركته لأنه سبب لي صداعاً فضيعاً وشعوراً بالغثيان.
قال شخص أني مصاب بالقولون العصبي، وفعلاً زرت طبيب الباطنة وأكد لي ذلك، وأنا أتناول ليبراكس وأحياناً فيرين، لكن ذلك لم يجد مع الخوف الذي يلاحقني، والخوف أيضاً من نظرات الناس لي.
بحثت كثيراً حتى توصلت لعلاج سيبراليكس 10 ملج، وبدأت أتناوله دون استشارة طبيب، وذلك بعد بحث وعناء في المنتديات النفسية والعامة، وقلت أنه آمن لأنه يباع في الصيدلية دون وصفة طبية، أتناول سيبراليكس 10 ملج حبة يومياً قبل النوم، أشعر أنه خف العارض قليلاً، ولكن لازال الخوف معي، أتناول العلاج منذ شهرين فقط.
آسف جداً للإطالة، أفيدوني بارك الله فيكم، ووفقكم للخير، ويسر أمركم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بدر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فبالفعل ما وصفته هو نوع من الرهاب أو الخوف الاجتماعي، والذي لاحظته أنه ليس لديك مشكلة كبيرة في القيام بواجبك كمعلم، تحس في بداية الأمر بشيء من الرهبة لكن بعد ذلك تزول هذه الرهبة، وحين تنتهي الحصة تكون أكثر ارتياحًا، لكن في التجمعات الأخرى تجد صعوبة كبيرة جدًّا، فأنت مثلاً أصبح لا يمكنك دخول السوق، والمشاركة في المناسبات، هذا يسمى بالرهاب الاجتماعي الانتقائي، أي أنك يمكن أن تؤدي أداءً معقولاً في بعض الأحيان، وهذا بالنسبة للمواقف الملزمة، أنت تقوم بعملك وواجبك كمدرس، هذا أمر ملزم، أما أمر الذهاب إلى السوق فهو ليس بالأمر الملزم.
الرهاب الاجتماعي الانتقائي هو أقل في حدته وشدته من الرهاب الاجتماعي العام، والرهاب الاجتماعي ليس جُبنًا أو ضعفاً في الشخصية، ومن الأشياء المثبتة تمامًا أن الإنسان يمكن أن يكون مروضًا للأسود لكنه يخاف من القطط، هذه حقيقة ثابتة جدًّا.
عوامل الرهاب الاجتماعي غير معروفة تمامًا، لكن هنالك نظريات تتحدث عن وجود مخاوف أثناء الطفولة، 40% من الذين يصابون بالرهاب الاجتماعي كان لديهم الخوف من الذهاب إلى المدرسة حين كانوا صغارًا، وقد يكونون أيضًا مروا بتجارب حدث لهم فيها نوع من الخوف وتجاوزوه في تلك اللحظة، لكن لا تزال آثاره مخزنة في وجدانهم وظهرت في الأيام التي تليها، وأريد أن أوضح لك حقائق مهمة جدًّا وهي:
أولاً: أن الخوف الاجتماعي ليس جُبنًا.
ثانيًا: منهجك في أن تنظر إلى الناس كبشر وأنهم سواسية مهما كانت مواقعهم هذا اتجاه ممتاز جدًّا.
ثالثًا: أريد أن أؤكد لك وبصورة قاطعة أنك غير مراقب من قبل الآخرين، ولن تفقد السيطرة - إن شاء الله تعالى - في أي موقف اجتماعي.
رابعًا: ما تتصوره من أعراض فسيولوجية مثل تسارع ضربات القلب أو التعرق أو حتى التلعثم، هذا مبالغ فيه كتغيرات فسيولوجية، وعمومًا لا يلاحظ ذلك الناس، مهما كانت هذه الأعراض مسيطرة عليك، إلا أنها لا تظهر للدرجة التي يلاحظها الناس.
خامسًا: من أهم وسائل العلاج هو المواجهة والإصرار على المواجهة، ومن أفضل أنواع المواجهات التي وجدتها مفيدة هو الحرص على صلاة الجماعة في الصف الأول في المسجد، هذه مواجهة فيها خير كثير جدًّا للإنسان، وتشعره بالطمأنينة، كذلك المشاركة في حلقات تلاوة القرآن، أيضًا هي نوع من المواجهة الطيبة والمفيدة جدًّا.
الإصرار على زيارة الأقرباء والأهل، مشاركة طيبة، ممارسة الرياضة الجماعية مع مجموعة من الأصدقاء مثل كرة القدم مثلاً، فيها تفاعل اجتماعي مباشر وغير مباشر، وهنالك أيضًا تمارين سلوكية نسميها بالمواجهة في الخيال، والمواجهة في الخيال تتطلب أن تكون جالسًا في الغرفة وتتصور أنك أمام تجمع كبير جدًّا من الناس وفيه بعض أصحاب الشأن والمناصب، وطُلب منك أن تقدم عرضًا باللغة الإنجليزية مثلاً، وقمت أنت بتحضير هذه المادة وبعرضها، وفي بداية الأمر واجهك شيء من القلق والخوف وتسارع في ضربات القلب، وبعد ذلك وجدتَ أن الأمر عادي جدًّا، عش مثل هذه الخيالات، وإن شاء الله تعالى سوف تجد فيها الخير الكثير.
بالنسبة للعلاج الدوائي أقول لك نعم السبرالكس دواء جيد جدًّا، لكن الجرعة يجب أن ترفع إلى عشرين مليجرامًا، عشرة مليجرام ليست جرعة كافية، ودائمًا ننصح أن ترفع جرعة العشرين مليجرامًا بعد أن يكون الشخص قد تناول العشرة مليجرام لمدة شهر أو شهرين، وفي حالتك أتى الوقت الذي ترفع فيه الجرعة، استمر على العشرين مليجرامًا يوميًا وبانتظام لمدة أربعة أشهر، بعد ذلك خفضها إلى عشرة مليجرام يوميًا لمدة ستة أشهر، ثم اجعلها خمسة مليجرام يوميًا - أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام - وتناول هذه الجرعة الصغيرة لمدة أسبوعين فقط، بعد ذلك توقف عن تناول السبرالكس.
هنالك دواء آخر يعرف تجاريًا باسم (إندرال) واسمه العلمي هو (بروبرانولول ) أنصحك أيضًا بتناوله بجرعة عشرة مليجرام صباحًا ومساءً لمدة شهرين، ثم عشرة مليجرام صباحًا لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله، يتميز الـ (بروبرانولول ) بأنه يتحكم تمامًا في الأعراض الفسيولوجية المصاحبة للقلق والمخاوف، حيث إنه يُرجع ضربات القلب إلى طبيعتها، كما أنه يساعد كثيرًا في زوال الرعشة أو التعرق - إن حدثت - وهو يعتبر دواءً داعمًا للسبرالكس.
كما ذكرت لك السبرالكس دواء فاعل، وتوجد أدوية أخرى فاعلة جدًّا أيضًا مثل الزولفت وكذلك الزيروكسات، لكن استمر على السبرالكس ما دمت قد بدأت فيه، فقط اتبع الإرشادات التي ذكرتها لك حول جرعة الدواء.
ولمزيد من الفائدة يمكنك الاطلاع على الاستشارات حول العلاج السلوكي للرهاب: (269653 - 277592 - 259326 - 264538 - 262637).
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية.
الكاتب: د. محمد عبد العليم
المصدر: موقع إسلام ويب